تتحول المدن الكبرى حول العالم إلى البناء الطابقي من اجل أقصى استفادة من الفراغ العمراني المتوفر. كما أن التطور التقني الكبير خلال القرن الماضي ساعد بتحقيق هذا الإنتقال المعماري. هناك مصطلحان معماريان يسببان الإرباك دائماً لغير المختصين حيث يتم الخلط بينهما باستمرار وهما البرج وناطحة السحاب. تشير الكلمتان إلى مباني تتميز بارتفاعها الشاهق لكن هل الكلمتان حقيقة متشابهتان؟ وماهي الفروقات بين البرج وناطحة السحاب؟ متى نستطيع القول عن برج أنه ناطحة سحاب؟
رافقونا في المقال التالي لنكشف معاً ما الفرق بين البرج وناطحة السحاب ونتمكن أكثر من فهم الكلمات المعمارية المعقدة.
الأبراج
البرج عادة هو أي منشئ ارتفاعه أكبر بكثير من أبعاد قاعدته. كما أنها تتميز عن الصواري بأنها لا تستند على منشئ أخر ولا تحتوي كابلات خارجية. كما أن الأبراج قد تكون قائمة بذاتها أو ملحقة بمبنى أو سور. من الناحية اللغوية لابد من وجود كلمة مضافة تصف وظيفة البرج إذ قد يكون برج دفاعي أو برج كنيسة أو برج ساعة… وهلم جراً.
وجدت الأبراج منذ الألف الرابع قبل الميلاد ولعل أبرز مثال عليها هي الزقورات السومرية.
إذاً كلمة برج تصف مجموعة متنوعة من المنشآت كالأبراج الموجودة ضمن أسوار المدن التي تدعمها وتزيد من تحصينها. كما أنها قد تصف الأبراج المعدنية الضخمة المستعملة في بناء شبكات الطاقة الكهربائية. أيضاً هناك الأبراج التي يتم بنائها على أسطح المباني من أجل هوائيات الإرسال أو الاستقبال للاتصالات كما أن بعض العناصر التي تدعم جسور النقل هي أيضاً أبراج وفي المطارات هناك عنصر رئيسي وهام جداً لعمل المطار هو برج المراقبة لحركة الطائرات.
رغم التقدم العلمي الكبير للبشرية يبقى هناك حدود لبناء الأبراج حيث لا يمكن بالأساليب التقليدية بناء جدران تزيد عن ارتفاع معين وإلا سيزيد وزن مادة البناء (الحمل الميت) عن حدود تحمل المادة وعندها يحدث الانهيار. بمكن تجنب ذلك ببساطة من خلال تضييق مقطع البرج كلما ازداد الارتفاع.
خلال القرن العشرين ونتيجة للتطور التقني الكبير الذي دخل كل مناحي الحياة خصوصاً في مجال الاتصالات أصبح وجود برج يحمل هوائيات الإرسال والاستقبال وباقي المعدات التقنية ضرورة حيوية لكل المدن الكبرى حول العالم وتنافس المعمارييون في طرق وأساليب دمج هذا العنصر الجديد ضمن مخططات المدن وأساليب ومواد إنشائه والخدمات الثانوية التي يقوم بتقديمها.
من أبرز الفراغات المعمارية ضمن الأبراج الحديثة منصات المشاهدة والتي تكون مفتوحة للزوار من سكان المدينة والسياح وتوفر لهم رؤية بانورامية للمدينة وأبرز المعالم التي تميزها وعادة ما تكون هذه المنصات مزودة بمناظير مشاهدة لتجربة أكثر تميزاً.
من العناصر المميزة أيضاً المطاعم البانورامية وأحياناً الدوارة والتي أصبحت عنصراً ثابتاً في كل الأبراج المعاصرة. هناك أيضاً القاعات الخاصة بالضيوف الرسميين وكبار الزوار، أيضاً قاعات الإجتماعات و الأعمال. حتى الأطفال كان في بعض الأبراج فراغات مخصصة لنشاطاتهم، حيث لا حدود لإمكانيات الاستخدام والخيال المعماري. أيضاً من أبرز التقنيات التي تطورت بالتوازي مع هذه الأبنية المصاعد التي تقوم بخدمتها حيث كان هذا مجال تنافس من ناحية الأمان والسرعة وعدد الأشخاص القادر المصعد على حملهم.
ناطحة السحاب
استعمل المصطلح لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر من أجل وصف مبنى متعدد الطوابق. كان تطور ناطحات
السحاب نتيجة موضوعية للتطورات التقنية والاجتماعية. حيث قد عزز الازدهار التجاري في الولايات المتحدة الحاجة إلى فراغات العمل داخل المدن الأمريكية. كما أن ازدياد الكثافة السكانية في المناطق الحضرية زاد من الحاجة للمباني التي ترتفع أكثر من المباني التي تتوسع أفقياً. لذلك ازدهر استعمال ناطحات السحاب -التي هي أساساً نوع من المباني التجارية- في المباني السكنية. كما لا بمكن تجاهل حقيقة التطور الكبير في صناعة الصلب الأمريكية حيث أن الهيكل الفولاذي عنصر أساسي لبناء ناطحة السحاب.
في البداية تراوح ارتفاع ناطحات السحاب بين 10 و20 طابق لا أكثر. أما في نهاية القرن العشرين فإن كلمة ناطحات سحاب غالباً ما كانت تصف مباني يتجاوز عدد طوابقها الخمسين طابقاً.
استعمل المعماري ويليام لي بارون جيني في بناء مقر شركة التأمين السكني في شيكاغو (1884-85) هيكلاً فولاذياً، كما شهد المبنى لأول مرة الجدران المغلفة للمبنى التي تحمل وزنها الذاتي فقط ومثبتة بدورها على الهيكل الفولاذي عوضاً عن الجدران الحاملة التقليدية.
من حيث التصميم المعماري احتوت أيضاً ناطحات السحاب بعض عناصر الأبراج مثل المطاعم البانورامية و منصات المشاهدة المرتفعة وهوائيات الإرسال والاستقبال لخدمات الاتصالات. أيضاً كان لتطور المصاعد دور كبير في نجاح استعمال هذا النوع من المباني.
الخلط الكبير بين المصطلحين أتى من حقيقة أن الكثير من ناطحات السحاب
استعملت كلمة برج في أسمائها الرسمية مثل ناطحة السحاب الأعلى في العالم في دبي وقد تم تسميتها برج خليفة، أيضاً برج تايبيه 101 في تايوان، وأبراج بيتروناس في كولا لامبور في ماليزيا هي أمثلة بارزة على ذلك.
إذاً الأبراج هي منشآت تتصف بالارتفاع نسبة لعرض قاعدتها والغاية الأساسية من بنائها الحصول على منصة مرتفعة لغايات مختلفة قد تكون تقنية مثل البث الإذاعي أو الاتصالات أو المراقبة وأحيانا بعض عمليات الأرصاد الجوية. أما ناطحة السحاب فهو مصطلح حديث يشير أيضاً إلى مبنى يتميز بالارتفاع لكنه مؤلف من عدد كبير من الطوابق للاستخدام السكني أو التجاري ونقطة قوته الأساسية هي تعدد الطوابق حيث الغاية من بناء ناطحة السحاب الاستثمار الأمثل للفراغ.